سلة التسوق الخاصة بك فارغة الآن.
يحتوي هذا المجموع على ثلاث رسائل هي: كتاب الشأن، أو أيام الشأن، وكتاب الأزل، وكتاب الجلالة، وكتاب الفناء في المشاهدة، وكتاب مقام القربة.
وَقد حوى كِتَابَ «أَيَّامِ الشَّأْنِ»؛ عِلْمًا لَا يَتَصَوَّرُ كُلُّ أَحَدٍ طَبِيعَةَ ارْتِبَاطِهِ بِالسُّلُوكِ فِي التَّصَوُّفِ الْعَمَلِيِّ، وَسَوْفَ يَجِدُ النَّاظِرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ صَغِيرِ الْجِرْمِ، جَلِيلِ الْعِلْمِ مَا يَفْتَحُ لَهُ آفَاقًا مَعْرِفِيَّةً فِي الزَّمَانِ، وَالتَّنَزُّلَاتِ، وَالْإِلْقَاءِ، وَالتَّلَقِّي، وَالتَّرْتِيبِ، مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ كُلُّ لَبِيبٍ.
وَلَعَلَّ أَقْرَبَ مَا نُقَدِّمُ بِهِ هَذَا الْكِتَابَ لِلْقَارِئِ الْكَرِيمِ مَا بَيَّنَهُ الشَّيْخُ الْأَكْبَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ شَأْنِ الْأَيَّامِ بِالنَّظَرِ إِلَى السَّلْخِ، وَهُوَ قَوْلَهُ تَعَالَى: "وَءَايَةٞ لَّهُمُ ٱلَّيۡلُ نَسۡلَخُ مِنۡهُ ٱلنَّهَارَ" [يس: 37]، وَهُوَ مَا أَعْلَمَنَا اللهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ سَبْقِ اللَّيْلِ، وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ رضي الله عنه مِنْ أَنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَ اللَّيْلَ لِلْعَارِفِ كَمَا جَعَلَ الْغَيْبَ لَهُ تَعَالَى، فَاللَّيْلُ أَصْلٌ وَالنَّهَارُ فَرْعٌ عَنْهُ.
وَقَدْ فَصَّلَ رضي الله عنه ذَلِكَ الْمَعْنَى تَفْصِيلًا، وَكَشَفَ عَمَّا يَنْفَعُ الطَّالِبَ مِنْ أَسْرَارِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمَثَّلَ الْمَعَانِيَ تَمْثِيلًا فَالنَّهَارُ انْتِشَارُ ضَوْءِ الشَّمْسِ حَالَ مُقَابَلَةِ الْأَرْضِ بِدَوَرَانِهَا لَهَا بَعْدَ عَمُومِ الظَّلَامِ الَّذِي فِي غِيَابِ الشَّمْسِ عَنِ الْأَرْضِ لِعَدَمِ الْمُقَابَلَةِ، فَذَلِكُمُ الْيَوْمُ، وَالظَّاهِرُ لِلْحِسِّ أَنَّ أَيَّامَنَا الْمُعْتَادَةَ لَيَالٍ وَنُهُرٍ، كُلُّ نَهَارٍ يَتْبَعُ لَيْلًا، وَقَدْ سَمَّاهَا رضي الله عنه «أَيَّامَ التَّكْوِيرِ»، لِقَوْلِهِ تَعَالَى " يُكَوِّرُ ٱلَّيۡلَ عَلَى ٱلنَّهَارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّهَارَ عَلَى ٱلَّيۡلِۖ " [الزمر: 5]، فَلَمَّا نَظَرَ أَهْلُ الرَّصْدِ إِلَى هَيْئَةِ السَّمَاءِ وَجَدُوا أَنَّ اللَّيْلَةَ السَّابِقَةَ لِلنَّهَارِ الْمُعَيَّنِ لَا تُشْبِهُ هَيْئَتُهَا هَيْئَتَهُ، فَاخْتَلَفَتِ الْأَحْكَامُ، وَتَوَالَجَتِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ، وَعَلِمُوا أَنَّ سَلْخَ كُلِّ نَهَارٍ إِنَّمَا كَانَ مِنْ لَيْلَةٍ غَيْرِ الَّتِي سَبَقَتْهُ، فَبَحَثُوا عَنِ التَّشَابُهِ، فَوَجَدُوا أَنَّ نَهَارَ الأَحَدِ يُمَاثِلُ فِي تَرْتِيبِ حَرَكَةِ كَوَاكِبِهِ لَيْلَةَ الخَمِيسِ، وَهُمَا لِلشَّمْسِ، أَعْنِي أَنَّ أَوَّلَ سَاعَاتِ لَيْلَةِ الخَمِيسِ لِلشَّمْسِ، وَهِيَ كَذَلِكَ لِنَهَارِ الأَحَدِ، فَقَالُوا: إِنَّ اللهَ سَلَخَ نَهَارَ الأَحَدِ مِنْ لَيْلَةِ الخَمِيسِ، وَسَلَخَ نَهَارَ الاثْنَيْنِ مِنْ لَيْلَةِ الجُمُعَةِ، وَنَهَارَ الثُّلَاثَاءِ مِنْ لَيْلَةِ السَّبْتِ، وَنَهَارَ الأَرْبِعَاءِ مِنْ لَيْلَةِ الأَحَدِ، وَنَهَارَ الخَمِيسِ مِنْ لَيْلَةِ الاثْنَيْنِ، وَنَهَارَ الجُمُعَةِ مِنْ لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ، وَنَهَارَ السَّبْتِ مِنْ لَيْلَةِ الأَرْبِعَاءِ.
فَالشَّأْنُ فِي كُلِّ نَهَارٍ مِمَّا فِي ذَلِكَ التَّرْتِيبِ نَفْسُ الشَّأْنِ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي سَلَخَهُ اللهُ مِنْهَا، وَالتَّنَزُّلَاتُ نَفْسُ التَّنَزُّلَاتِ بِحَسَبِ مَا أَوْدَعَ اللهُ تَعَالَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ مِنَ الأَمَانَاتِ، فَسَمَّوُا الأَيَّامَ بِحَسَبِ ذَلِكَ النَّامُوسِ أَيَّامَ الشَّأْنِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: "كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ" [الرحمن: 29]، يَعْنِي مِنْ شُؤُونِ خَلْقِهِ، فَكَانَ الأَمْرُ مِنْ هَذَا الوَجْهِ عِبَارَةً عَنْ كَوَاكِبَ تَسْبَحُ، وَأَبْوَابٍ تُفْتَحُ.
فَبَانَ لَنَا أَنَّ لِكُلِّ كَوْكَبٍ سَاعَةً يُقَابِلُ فِيهَا الأَرْضَ، وَتَتَنَزَّلُ فِيهَا مَا تَسَعُهُ سَمَاءُ ذَلِكَ الكَوْكَبِ مِنَ الأَمْرِ المُودَعِ لِلأَرْضِ فِيهَا، وَهُوَ مَا يَجِدُهُ القَارِئُ الكَرِيمُ فِي هَذَا الكِتَابِ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الأَكْبَرُ رضي الله عنه؛ لِيَعْلَمَ اللَّبِيبُ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ عُلُومِ المُنَاسَبَاتِ بِتِلْكَ العِبَارَاتِ، وَاللهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ، وَشَارِعُ الطَّرِيقِ.
أَمَّا الكِتَابُ الثَّانِي فِي هَذَا المَجْمُوعِ فَــ «كِتَابُ الأَزَلِ»، وَقَدْ قَالَ رضي الله عنه فِي مُقَدِّمَتِهِ:
«أمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ أَجْرَى اللهُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ لَفْظَةَ الْأَزَلِ، وَيَنْعَتُونَ بِهَا الرَّبَّ سُبْحَانَهُ فَيَقُولُونَ: «الْأَزَلِيُّ»، وَ«كَانَ هَذَا فِي الْأَزَلِ»، وَ«عَلِمَ هَذَا فِي أَزَلِهِ»، وَمِثْلَ هَذَا التَّصْرِيفِ، وَأَكْثَرُ اللَّافِظِينَ بِهَا لَا يَعْرِفُونَ مَعْنَاهَا، وَلَوْ سُئِلُوا وَحُقِّقَ مَعَهُمُ الْبَحْثُ فِيهَا زَالَتْ مِنْ أَيْدِيهِمْ».
ثُمَّ عَرَضَ رضي الله عنه أَشْهَرَ أَقْوَالِ الفَلَاسِفَةِ وَالمُتَـكَلِّمِينَ فِي الأَزَلِ وَمَا يُرَدُّ بِهِ عَلَيْهِمْ، فِي سَبِيلِهِ إِلَى كَشْفِ مَا تَيَسَّرَ مِنْ أَسْرَارِهِ الَّتِي سَوْفَ يَنْعَمُ القَارِئُ اللَّبِيبُ بِالاطِّلَاعِ عَلَيْهَا.
ثُمَّ ثَالِثُ مَا حَوَاهُ هَذَا المَجْمُوعُ «كِتَابُ الجَلَالَةِ»، وَهُوَ كَلِمَةُ «الله»، يَعْنِي الاسْمَ المُفْرَدَ، وَاللَّفْظَ المُجَرَّدَ، وَهُوَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ العُلَمَاءِ اسْمُ اللهِ الأَعْظَمُ، وَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ رضي الله عنه إِشَارَاتٍ وَأَسْرَارَ يَعْلَمُ بِهَا الوَاقِفُ عَلَيْهِ عَظِيمَ دِلَالَةِ الاسْمِ عَلَى المُسَمَّى، فَيَتَحَقَّقُ فِي ذِكْرِهِ بِمَا يَنْبَغِي لَهُ مِنَ التَّعْظِيمِ وَالإِجْلَالِ، فَيَكُونُ مِنْ آثَارِ ذَلِكَ أَحْوَالٌ تُنْتِجُ عُلُومًا لِلذَّاكِرِ بِحَسَبِ رُتْبَتِهِ فِي ذَلِكَ العِلْمِ.
فَإِذَا انْتَقَلْنَا لِلمُصَنَّفِ الرَّابِـعِ فِي هَذَا المَجْمُوعِ، وَهُوَ «كِتَابُ الفَنَاءِ فِي المُشَاهَدَةِ»، وَهُوَ كِتَابٌ أَوْضَحَ فِيهِ أَنَّ الحَقِيقَةَ الإِلَهِيَّةَ تَتَعَالَى أَنْ تُشْهَدَ بِالعَيْنِ، وَبَيَّنَ فِيهِ مَقْصُودَ أَكَابِرِ أَهْلِ هَذَا الطَّرِيقِ مِمَّا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ؛ أَعْنِي المُشَاهَدَةَ، وَكَيْفَ زَلَّ القَائِلُونَ بِالاتِّحَادِ لَمَّا نَظَرُوا إِلَى مَقَامِ المُشَاهَدَةِ، وَطَلَبُوا تَحْصِيلَهُ مِنْ كَلَامِ مَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ بِهِ، فَقَصَّرَتْ أَفْكَارُهُمْ، وَزَلَّتْ أَلْسِنَتُهُمْ.
أَمَّا مِسْكُ الخِتَامِ مِنْ هَذَا المَجْمُوعِ فَهُوَ «كِتَابُ القُرْبَةِ»، وَهُوَ مَقَامُ الأَفْرَادِ، وَمِنْهُ تَفِيضُ أَنْوَارُ الأَحْكَامِ عَلَى المُجْتَهِدِينَ مِنَ العُلَمَاءِ، وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُ هَذَا إِلَّا النُّدْرَةُ مِنْ أَهْلِ اللهِ، وَقَدْ أَوْضَحَ رضي الله عنه فِي هَذَا الكِتَابِ
أَنَّ ثَمَّ مَقَامًا بَيْنَ الصِّدِّيقِيَّةِ وَالنُّبُوَّةِ، وَلَيْسَ يَعْنِي بِمَقَامِ الصِّدِّيقِيَّةِ وَلَا بِالصِّدِّيقِ سَيِّدَنَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَلَا سَيِّدَنَا عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ L، فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا حَازَهُ الصِّدِّيقُ الأَكْبَرُ رضي الله عنه ذَلِكَ المَقَامَ، وَقَدْ شَارَكَهُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ الصِّدِّيقِينَ، وَفَضَّلَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَرَ فِي قَلْبِهِ رضي الله عنه، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ المَقْصُودَ بِذَلِكَ المَقَامِ؛ أَعْنِي الصِّدِّيقِيَّةِ الَّتِي مِنْ وَرَائِهَا مَقَامُ القُرْبَةِ، بَلْ لَا مَطْمَعَ لِأَيِّ أَحَدٍ فِي مَقَامَاتِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَلَعَلَّ مِنْ أَلْطَفِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ الأَكْبَرُ رضي الله عنه عِنْدَ الكَلَامِ عَنْ مَقَامِ القُرْبَةِ، أَنَّ التَّفَاضُلَ لَا يَكُونُ بِالأَشْخَاصِ بَلْ بِالمَرَاتِبِ، وَهُوَ عِلْمٌ دَقِيقٌ يَنْتَفِعُ مَنِ انْتَـبَهَ إِلَيْهِ.
أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَ بِهَذَا المَجْمُوعِ كُلَّ مَنْ تَلَقَّاهُ بِالقَبُولِ، وَأَنْ يَجْعَلَ عَمَلَنَا فِيهِ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ، وَاللهُ مِنْ وَرَاءِ القَصْدِ، لَا رَبَّ غَيْرُهُ.
أيمن حمدي الأكبري
لا تزال مهتمًا بالكتب التي شاهدتها مؤخرًا