سلة التسوق الخاصة بك فارغة الآن.
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ وآله
أما بعد: فإنَّ كتابَ الشيخِ الأكبرِ محيي الدين ابن العربي، المُسَمَّى «الفتوحات المكِّيَّة»، يُعد موسوعة التصوف الأشهر، شَرَع رضي الله عنه في كتابته سنة (599هـ)، في مكة المكرمة في بداية مجاورته لبيت الله الحرام؛ وكعبته المُشَرَّفَة، وانتهى من تصنيفه سنة (629هـ)، في دمشق، وعلى هذا فإنَّ ما يُحكى حولَ أنَّه وضعه عامًا كاملًا فوق سطح الكعبة، وأن الكتاب لم يَحْصُل به أيُّ تلفٍ، واعتبار ذلك مما يُعطي هذا الكتاب قيمة إضافية، كلُّ هذا لا أصل له، وإنَّما هو مِمَّا يَجري على ألسنة العوام من المُبَالغات، فإنَّ ما تضمَّنَهُ الكتاب من العلومِ والمعارف والآداب لا يَحتاج إلى غيرِه لإبراز قيمته العلمية.
ولا يخفى على المهتمين بالتصوف عامَّةً، وبابن العربي خاصَّةً، ما اشتهر من أنه رضي الله عنه قد كَتَبَ نسخةً ثانيةً من فتوحاته المكية، بغرض إهدائها لرَبيبه الشيخ الكبير صدر الدين القُونَوِيِّ، وأنه بدأ تقييد هذه النسخة سنة (632هـ)، وأتمَّها سنة (636هـ)، كما سوف يتبين بعد سطورٍ، تلك النسخة المعروفة بنسخة قونية، والتي اعتمدتْ عليها كلُّ مطبوعات هذا الكتاب فيما عدا طبعته الأولى.
وكانت أولُ طبعات الفتوحات المكية، والمعروفة بطبعة بُولاق، قد صدرت سنة (1858م)، بأمر الخديوي عباس الأول حاكم مصر، والذي توفاه الله تعالى قبل الانتهاء من طباعة الكتاب، فاعتنى به خليفته الخديوي محمد سعيد باشا، وقد اعتمدتْ تلك الطبعة على نسخة مخطوطة محفوظة في المكتبة السليمانية بإسطنبول، وهي منقولة من نسخة الإبرازة الأولى للكتاب، والتي أتمها الشيخ الأكبر رضي الله عنه سنة (629هـ).
ثم إنَّ الأمير المجاهد عبد القادر الجزائري، لمَّا اطلع على طبعة بُولاق، وكان لديه العلم بشأن مخطوط قونية، رأى الأمير المجاهد ضرورة مطابقة طبعة بولاق بنسخة قونية، والتي بطبيعة الحال تعبِّر عما أقره الشيخ الأكبر رضي الله عنه قبل وفاته بعامين، كما تبيَّن من تاريخ إتمامها، فكلَّف بهذه المهمة العَالِمَيْنِ الجليلينِ: الشيخ محمد بن مصطفى الطنطاوي المصري، والشيخ الطيب بن محمد المبارك الجزائري، فسافرا على نفقته، وأثبتا نتائج المطابقة على هامش النسخة المطبوعة، وكان هذا سنة 1287هـ ، وقد صدرت للفتوحات المكية طبعة ثانية، سنة 1910م ـ 1329هـ، على نفقة الحاج فِدا محمد الكشميري، وهي المعروفة بطبعة دار الكتب العربية الكبرى لصاحبها مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة المحروسة، وقد اعتمد في تصحيحها على نسخة الأمير عبد القادر الجزائري، والتي رُوجِعَت وصُوِّبَت أخطاؤها بمطابقة نسخة قونية. وقد أُعِيدَت طباعة هذا الكتاب عدة مرات، كلها قد اعتمدت على الطبعة الثانية المشار إليها.
ولا تعد هذه الطبعات على أهميتها طبعاتٍ محققة تحقيقًا علميًّا، ولذا فقد شَرَعَ الباحث السوري الدكتور عثمان يحيى في تحقيق الفتوحات المكية سنة 1954م، بتكليف من جامعة السوربون، غير أنه لم ينته من تحقيقه كاملًا، حيث طُبِعَ أربعة عشر سِفرًا منه، أصدرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب تحت إشراف المجلس الأعلى للثقافة بمصر، بالتعاون مع جامعة السوربون، ومنظمة اليونسكو، وقد اعتمد المحقق على نسخة قونية، وقارنها بطبعة المكتبة العربية، ونسخة السليمانية برواية القاضي الفقيه إسماعيل بن سودكين، تلميذ الشيخ الأكبر، وهي إحدى النسخ المنقولة من الإبرازة الأولى، وعلى هذا فإن طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب، قد توقفت عند الباب (161) المعنون في معرفة مقام القُرْبة، في حين أن الكتاب قد اشتمل على 560 باب، في 37 سفرًا، بحسب نسخة قونية المشار إليها، وقد صدرت هذه الطبعة بالتوالي ما بين عامي 1972/1992م.
ثم جاءت طبعة اليمن سنة 2010م، بتحقيق الدكتور عبد العزيز سلطان المنصوب، والتي أعاد طبعها في القاهرة بواسطة المجلس الأعلى للثقافة، وهي بلا شكٍّ أفضل مطبوعات هذا الكتاب الجليل، وقد صدرت هذه الطبعة في 13 مجلد، اعتمدت في المقام الأول على نسخة قونية، والتي اشتهرت بأنها بخط الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي I.
وكنتُ قد شرعتُ في تحقيق هذا الكتاب، منذ سنوات أثناء عملي مديرًا لتحرير سلسلة التراث بالهيئة المصرية العامة للكتاب، وكان غرضي استكمالَ عمل الدكتور عثمان يحيى الذي لم تُكمل الهيئة طباعته لوفاة المحقق قبل إتمامه، إلا أنَّ ذلك الغرض لم يتم في حينه، وظل قلبي مُعَلَّقًا بخدمة هذا الكتاب، وفي كل مرَّةٍ أقف على موضعٍ لا أرتاح إليه، أقول لنفسي: لعله من أخطاء الطباعة. حتى تحصلتُ على صورةٍ ضوئيةٍ من نسخة قونية، فصرت أرجع إليها كلما وقفتُ على ما أرى أنه لا يصح صدوره عن الشيخ الأكبر رضي الله عنه، وكنت أنسبه في أكثر الأحيان إلى المحقق إن كانت النسخة التي أقرأها محققة، إلا أني وجدتُ أنَّ كثيرًا مما وقفتُ عليه، لم يكن سهوًا أو خطأً من المحقق، بل كان هو هو في نسخة قونية، وكان من ذلك ما لا يصح أن يَغْلَطَ فيه المؤلف، إذ لم يكن من خطأ القلم، بل في بعض الأحيان كنت أقف على معانٍ لا أشك لحظةً في أن الناسخ لا يفهم ابن العربيِّ أصلًا.
وعلى الرغم مما بذله كلُّ مَنْ خَدَمَ هذا الكتاب من جهدٍ، إلا أن يقينهم بأنَّ نسخة قونية بخط الشيخ الأكبر قد دفعهم لتفضيلها، وربما لم يهتم أحد منهم بتعريف القارئ بما تميزت به نسخة قونية عن غيرها باعتبارها الإبرازة الأخيرة للكتاب، وقد جاء في خاتمة هذه النسخة ما يلي:
وكان الفراغ من هذا الباب بكرة يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول، سنة ست وثلاثين وستمائة (636هـ)، وكتب منشئُه بخطه محمد بن علي بن محمد بن العربي الطائيِّ الحاتميِّ، وفقه الله، هذه النسخة سبعة وثلاثون مجلدًا، وفيها زيادات على النسخة الأولى التي وَقَفْتُهَا على ولدي محمد الكبير، الذي أمه فاطمة بنت يونس بن يوسف أمير الحرمين، وفقه الله، وعلى عقبه وعلى المسلمين بعد ذلك شرقًا وغربًا، برًّا وبحرًا.
من هنا أحببت كقارئ محب للشيخ الأكبر أن أقف على ما أسماه زيادة أَثْبَتَهَا في نسخة قونية ولم تكن مُثْبَتَةً في الإبرازة الأولى، مع ما داخلني من شكٍّ في أن نسخة قونية بخط الشيخ الأكبر؛ لما وقفت عليها من أخطاء سوف أُوقف القارئ الكريم على بعضها فيما بعدُ، مما دفعني إلى تحقيق الكتاب بالوقوف على نماذج من الإبرازتين، وقد وجدنا ما يؤكد ذلك حيث يشير الشيخ محيي الدين إلى وجود نسخة أولى للفتوحات، وهو مما تفرَّدت به نسخة «قونية»؛ أي: أنه من زيادات الإبرازة الثانية حيث يقول في «وصل في فصل: اختلافهم في توقيت الإطعام والصيام» من «الباب الثاني والسبعين في الحج وأسراره» في معرض كلامه على أوزان الفعل (انظر قونية: السفر: 10، اللوحة: 148أ)، وهو هذا النصُّ: «... و«فِعُل»: لم يوجد له اسم على وزنه في اللسان، وعلله أهل هذا اللسان بأنهم استثقلوا الخروج من الكسر إلى الضم، ومبنى كلامهم على التخفيف، وهذا التعليل عندنا ليس بشيء؛ بسطناه في النسخة الأولى من هذا الكتاب ...». وبالرجوع إلى نسخة بايزيد، المجلد رقم: (3743)، اللوحة رقم: 377 ب) أثناء عملنا على الفتوحات وجدنا هذا الموضع قد تم بسطه كما أشار إليه الشيخ في قونية، وسوف نعرض في السطور التالية لبعض ما وقفنا عليه في الإبرازتين مما جعلنا نُفضِّل ألا نعتمد في هذا الإصدار نسخة قونية نسخة نهائية ارتضاها الشيخ الأكبر مع اعترافنا بأهميتها البالغة، عسى أن نقدم للقارئ الكريم بهذا التحقيق نصًّا نرى أنه يليق بهذا العمل الموسوعي الجليل.
نُسَخُ الإبرازتين
حالت عوادي الزمان أن تصل إلينا نسخةٌ كاملة من الإبرازة الأولى، وأما النُّسخ التي تحصَّلنا عليها فما هي نسخ كاملة منها؛ فإنها إمَّا نُسَخ جَمَعَت بين الإبرازتين؛ فنُسِخَت بعضُ المواضعِ منها أو بعضُ الأجزاء من أصولٍ خطيَّةٍ تمثِّل الإبرازة الأولى، ونُسِخَ البعضُ الآخر من أصولٍ تمثِّل الإبرازة الثانية، فجمعت بين دَفَّتَيْهَا بين ما هو إبرازة أولى وبين ما هو إبرازة ثانية.
وإمَّا نسخ تخيَّرت بين العبارات وأثبتت ما تراه أنسب للمعنى وألصق به، فلفَّقت بين الإصدارتين وخرجت لنا -إن جاز التعبير- بإبرازة ثالثة لا هي عين الأولى ولا هي عين الثانية، وإنما هي مزيج بين هذه وتلك.
والذي يؤدِّي إليه البحثُ أن النُّسَّاخ كانت تُلقَى إليهم نسخٌ خطيَّة؛ بعضها تُمثِّل الإبرازة الأولى، وبعضها الإبرازة الثانية، فكان النساخ ينقلون من هذه وتلك دون أيِّ تمييز بين الإصدارتين، وأنَّ هذا التخيُّر والتلفيقَ إنما هو مجرد مقابلة بين نُسَخٍ خَطيَّةٍ وقعت بين أيدي النسَّاخ، هي أقرب ما يكون إلى ما نعرفه اليوم في عملية التحقيق، دون الإشارة إلى تفاصيل اختيارات النساخ.
أما ما يُمثِّل النوع الأول؛ فهو:
نسخة مكتبة بايزيد، أرقام: (3743، 3744، 3745، 3746): فقد نقلت هذه النسخة عن أصلٍ كُتِبَ بخط مؤلفه سنة 629هـ؛ أي: عن إصدارةٍ أولى، ووافق الانتهاء من نسخها سنة 683هـ، أي: أنها نُسخت بعد وفاة المؤلِّف بخمسة وأربعين عامًا، فالغالب على الظنِّ أنها إما قد نُقلت من النسخة الأولى التي كتبها المؤلِّف بخطه وأهداها لابنه سعد الدين، أو منقولة عن نسخة نُقلت عن النسخة الأولى.
كُتبت هذه النسخة بقلمٍ جيِّدٍ واضحٍ، وضُبِطت ضبطًا كاملًا، إلَّا المجلدة الأولى (3743) من اللوحة رقم: (235 أ) إلى آخرها، والمجلدة الثالثة (3745) من اللوحة رقم: (229 أ) إلى آخرها، والمجلدة الرابعة (3746) بكاملها؛ فقد كتب كلُّ هذا بخطٍّ متأخرٍ سنة 1212هـ ، وبعضه يوافق الإبرازة الأولى والبعض الآخر يوافق الإبرازة الثانية، وقد وقع في هذه المواضع كثيرٌ من التصحيف والتحريف والأخطاء الإملائية.
مخطوطة بايزيد، أرقام: (3747، 3749، 3748): وهي منقولة عن بايزيد المتقدمة؛ حيث توافقت معها فيما يمثل الإبرازة الأولى وفيما هو مختار من الإبرازة الثانية، لكنها سقيمة النسخ؛ حيث وقع بها تصحيف وتحريف وأخطاء إملائية كثيرة، فاستبعدناها.
وأما ما يمثِّل النوع الثاني؛ فهو: نسخة حكيم أوغلو رقم: (488)، (489)، ونسخة دامادا إبراهيم باشا، رقم: (749)، ونسخة نور عثمانية رقم (2503)، وهذه النسخ تتوافق تارة مع نسخ الإبرازة الثانية، وأخرى مع الإبرازة الأولى، وأحيانا ثالثة تلفِّق بين الإبرازتين، كما نبهنا إليه سابقًا.
ومن أهم نسخ هذا النوع: مخطوطة نور عثمانية، رقم: (2501)؛ وهي نسخة كتبها: محمد بن شعبان بن محمد بن إبراهيم بن بركات، المعروف بـ «ابن الكمال»، تلميذ العلامة عبد الغني النابلسي رحمه الله، والنابلسيُّ من أبرز أعلام المدرسة الأكبرية وأشهر المنافحين عن الشيخ محي الدين، وقد كتبها هذا الناسخ تحت نظر شيخه وتوجيهه، وعنه أخذ الإجازة في الفتوحات قراءةً وحضورًا عليه من البدء إلى الختام (انظر: لوحة 565ب).
وأمَّا النُّسَخُ التي تمثِّل الإصدارة الثانية:
فهي كثيرة، وأهمُّها نسخة قونية، رقم: (1736-1772)، وأمَّا النسخ الأخرى فأكثرها إما منقول عنها مباشرة أو منقول عن نسخ منقولة عنها.
هل نسخة قونية بخط الشيخ الأكبر؟
اشتهر في مجال الدراسات الصوفية عامة والأكبرية خاصة نسبةُ مخطوطة قونية إلى الشيخ الأكبر، وأنه كتبها بخط يده وأهداها إلى ربيبه الشيخ صدر الدين القونوي، وقد لاقت هذه الدعوى ذيوعًا واسعًا وقبولًا كبيرًا في الأوساط العلمية، فردد هذه الدعوى كثير من الباحثين والمشتغلين بالتراث الصوفي، وقد سبقهم إلى ذلك القدماء، حتى نسبها إلى الشيخ الأكبر سيدي عبد الوهاب الشعراني (المتوفى سنة 973هـ)، كما هو مشهور عنه.
وليس لدينا من الأدلة على أنها بخط الشيخ الأكبر إلا ما استمسكوا به مما جاء على أوِّل السفر الأوَّل من توقيع الشيخ محيي الدين، وما جاء أيضا بخطه على أوَّل السِّفر الخامس، وما جاء في أسفار هذه النسخة من سماعاتٍ مثل ما قُيِّدَ على السفر: 1، اللوحة: 47أ، السفر: 32، اللوحة: 126ب، وإجازاتٍ (السفر: 6، اللوحة: 160ب) على المؤلف، ومعارضاتٍ على النسخة الأولى لصدر الدين القونوي وابن سودكين (السفر: 14، اللوحة: 157ب).
وهذه الدعوى لا يقوم عليها من الأدلة العلمية القويَّة الموثوق بها ما يجعلها ترقى إلى مقام الظن، فضلًا عن أن تكون يقينًا لا يساوره شكٌّ ولا يقاومه احتمالٌ، لا سيَّما وأن الاحتمال ما يزال قائمًا على أنَّهُ رُبَّما قد يكون التوقيع وغيره من الأمور التي استندوا إليها كالسماعات والإجازات، قد نُسخت من الأصل الذي بخط الشيخ؛ بحيث صوَّر ناسخ قونية هذا التوقيع تصويرًا يطابق توقيع الشيخ الذي في الأصل، وهكذا فعل في السماعات والإجازات والمعارضات وغيرها، وإذا قام الاحتمال سقط الاستدلال.
وقد تبيَّن أثناء مقابلة النُّسَخِ كثيرٌ من الأخطاء التي تحوي عليها نسخة قونية، والتي تصعب معها نسبة هذه النسخة إلى الشيخ الأكبر.
نماذج من الأخطاء العلمية
1- (السفر رقم: 1/95 أ)، الباب الثاني في معرفة مراتب الحروف والحركات من العالم: «... وثمانية وثمانون فلكًا توجد عن حركتها البرودة واليبوسة خاصة»؛ والصواب الذي يعطيه الحساب الصحيح أن العدد هو: ثمانية وثلاثون (38)، كما هو مذكور في نسخة بايزيد.
2- (السفر: 1/101ب) من نفس الباب: «والفَلَكُ الذي وجد عنه الماء وجد عنه حرف العين.... ورأس الباء بالنقطة الواحدة»؛ والصواب هو: «رأس الياء»، كما في نسخة بايزيد.
3- (السفر: 1/ 108أ) من نفس الباب: «ومنهم العالم الذي غلب عليه التخلق بأوصاف الحق، وهو التاء والثاء والحاء»؛ وهو غير صواب، والصحيح هو: «الخاء المعجمة» كما في نسخة بايزيد.
4- (السفر: 1/ 123ب) من نفس الباب: «ولها من البسائط: الألف والهمزة واللام والهاء»، والصواب هو «الفاء»كما في نسخة بايزيد.
5- (السفر: 1/ 150أ): «وإن كان ثمانية الذي هو الحاء بالجزمين، والفاء في قولٍ، والصاد في قولٍ، والضاد في قولٍ، والظاء في قولٍ»، والصواب: «هو الحاء بالجزمين، والفاء، والضاد في قول، والظاء في قول» دون قوله: «في قول، والصاد في قول»؛ فإنَّ الفاء لم يختلف عليها أهل المشرق وأهل المغرب والخلاف بينهم في الضاد والظاء فقط، ولا دخل للصاد في المسألة.
6- (السفر: 7/17أ) في الباب التاسع والستون في معرفة أسرار الصلاة: «والداخل والإمام يخطب قد أبيح له أن يسلم ... فالركوع عند دخول السلام أولى أن يجوز له؛ لورود الأمر بالصلاة للداخل قبل أن يجلس»، والصواب: «عند دخول المسجد».
7- (السفر: 10/41أ)، في الباب الثاني والسبعون في معرفة أسرار الحج: «أجمع المسلمون على أن الوطء يحرم على المُحرِم مطلقًا، وبه أقول، غير أنه إذا وقع فعندنا فيه نظر في زمان وقوعه: فإن وقع منه قبل الوقوف بعرفة ... فالحج فاسد وليس بباطل»، وصوابه: «بعد الوقوف»، كما في نسخة بايزيد.
نماذج من السقط
1- قال الشيخُ في أوائل الباب الثالث: «لَمَّا كَانَتْ أُمَّهَاتُ الْمَطَالِبِ أَرْبَعَةً وَهِيَ: هَلْ، وَمَا، وَكَيْفَ، وَلِمَ. فَهَلْ، وَلِمَ: مَطْلَبَانِ رُوحَانِيَّانِ بَسِيطَانِ يَصْحَبُهُمَا «مَا هُوَ؟»، فَـ«هَلْ» وَ«لِمَ» هُمَا الْأَصْلَانِ الصَّحِيحَانِ لِلْبَسَائِطِ؛ لِأَنَّ فِي «مَا هُوَ» ضَرْبٌ مِنَ التَّرْكِيبِ، وَالْبَسَائِطُ غَيْرُ مُرَكَّبَةٍ، وَأَمَّا «كَيْفَ؟» فَسُؤَالٌ عَنِ الْمُرَكَّبِ خَاصَّةً» هكذا في نسخة بايزيد، وفي نسخة قونية (السفر:2/22ب): «لَمَّا كَانَتْ أُمَّهَاتُ الْمَطَالِبِ أَرْبَعَةً وَهِيَ: هَلْ، وَمَا، وَكَيْفَ، وَلِمَ. فَـهَلْ، وَلِمَ: مَطْلَبَانِ رُوحَانِيَّانِ بَسِيطَانِ يَصْحَبُهُمَا «مَا هُوَ؟»، فَـ«هَلْ» وَ«لِمَ» هُمَا الْأَصْلَانِ الصَّحِيحَانِ لِلْبَسَائِطِ؛ لِأَنَّ فِي «مَا هُوَ» ضَرْبٌ مِنَ التَّرْكِيبِ خَاصَّةً»، دون قوله: «وَالْبَسَائِطُ غَيْرُ مُرَكَّبَةٍ، وَأَمَّا «كَيْفَ؟» فَسُؤَالٌ عَنِ الْمُرَكَّبِ»، وهو سقطٌ مخلٌّ يصيِّر المعنى غير تام.
2- وفي أواخر الباب الرابع: «ثُمَّ تَعْلَمُ عَلَى الْقَطْعِ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ لَيْسَ هُوَ هَذَا الْآخَرَ بِتِلْكَ اللَّطِيفَةِ ... غَيْرَ أَنِّي أُرِيدُ أَنْ أُوقِفَكَ عَلَى حَقِيقَةٍ مَا ذَكَرَهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ ... وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ اسْمٍ كَمَا قَرَّرْنَا يَجْمَعُ حَقَائِقَ الْأَسْمَاءِ وَيَحْوِي عَلَيْهَا مَعَ وُجُودِ اللَّطِيفَةِ ... وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْمَ الْمُنْعِمَ وَالِاسْمَ الْمُعَذِّبَ اللَّذَيْنِ
هُمَا الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، كُلُّ اسْمٍ مِنْ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ يَتَضَمَّنُ مَا تَحْوِيهِ سَدَنَتُهُ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهْمِ، غَيْرَ أَنَّ أَرْبَابِ الْأَسْمَاءِ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُمْ يَحْوُونَ عَلَى جَمِيعِ حَقَائِقِ الْأَسْمَاءِ. وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْأَسْمَاءِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: ...» هكذا في بايزيد، وأما في قونية (السفر: 2/37ب): «... وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْمَ الْمُنْعِمَ وَالِاسْمَ الْمُعَذِّبَ اللَّذَيْنِ هُمَا الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، كُلُّ اسْمٍ مِنْ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ يَتَضَمَّنُ مَا تَحْوِيهِ سَدَنَتُهُ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهْمِ، غَيْرَ أَنَّ أَرْبَابِ الْأَسْمَاءِ وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْأَسْمَاءِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: ...» فسقط منه قوله: «الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُمْ يَحْوُونَ عَلَى جَمِيعِ حَقَائِقِ الْأَسْمَاءِ»، وهو سقط يغيِّر المعنى.
3- وفي «وصل في قوله تعالى: «مالك يوم الدين» من «الباب الخامس في معرفة أسرار بسم الله الرحمن الرحيم والفاتحة من وجه لا من جميع الوجوه»: «وَيَوْمُ الْقِيَامَةِ وَقْتُ إِيجَادِهِ الْجَزَاءَ، وَلَا يَقَعُ هَذَا الْخِطَابُ إِلَّا عَلَى مَنْ لَحَظَ نَفْسَهُ فَاعِلَةً فَطَلَبَ الْجَزَاءَ أَوْ طُولِبَ بِهِ إِنْ كَانَتْ عُقُوبَةً، لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتِ الطَّاعَةُ فَجَنَّاتٌ ...، وَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ الْكُفْرَانِيَّةُ، فَجَهَنَّمُ ...»، هكذا في نسخة بايزيد، وأما في قونية (السفر:2/63ب): «وَيَوْمُ الْقِيَامَةِ وَقْتُ إِيجَادِهِ الْجَزَاءَ، أَوْ طُولِبَ بِهِ إِنْ كَانَتْ عُقُوبَةً، لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتِ الطَّاعَةُ فَجَنَّاتٌ ...، وَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ الْكُفْرَانِيَّةُ، فَجَهَنَّمُ ...»، دون قوله: «وَلَا يَقَعُ هَذَا الْخِطَابُ إِلَّا عَلَى مَنْ لَحَظَ نَفْسَهُ فَاعِلَةً فَطَلَبَ الْجَزَاءَ»، ووجود هذا السقط مهمٌّ؛ بدونه يصير قوله: «أَوْ طُولِبَ بِهِ إِنْ كَانَتْ عُقُوبَةً، لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ»، لا معنى له.
4- وفي «الباب الثاني والسبعين في الحج وأسراره»: «فكلِّف أن يأتي بها هذا القاتل إن لم يكفر بالمثل أو بالإطعام. فقيل له: أنت في مقام الحجر عليك، ولهذا كلفت بالمثل وبالإطعام، فإن أبيت فاخرج عن التحجير، حتى يكون قاتل الصيد غير محجور عليه، فلا يكلف شيئا، قال: وما هو؟ قال: الصوم، فإنه لي، وأنا لا أتصف بالحجر عليَّ، فتلبَّسْ بصفتي تحصل في الحمى ...»، هكذا في بايزيد، وفي قونية (السفر: 10/141ب): «فكُلِّف أن يأتي بها هذا القاتل إن لم يكفر بالمثل أو بالإطعام. فإن أبيت فاخرج عن التحجير، حتى يكون قاتل الصيد غير محجور عليه، فلا يكلف شيئا، قال: وما هو؟ قال: الصوم، فإنه لي، وأنا لا أتصف بالحجر عليَّ، فتلبَّسْ بصفتي تحصل في الحمى ...»، فسقط منه قوله: «فقيل له: أنت في مقام الحجر عليك، ولهذا كلفت بالمثل وبالإطعام».
- نماذج من التحريف والتصحيف:
1- ففي (السفر: 5/10أ) في الباب الخامس والستين في معرفة الجنة: «وأهب لكم من ملكي وأفاكهكم بضحكي وأغلقكم بيدي»، والصواب: «وأُغلِّفكم»، كما في بايزيد.
2- وفي (السفر: 5/24ب) في الباب السابع والستين في معرفة «لا إله إلا الله محمد رسول الله»: «...وهكذا يكون الإيمان الإلهي يوم القيامة» وصوابه: «الإتيان الإلهي»، كما في بايزيد.
3- وفيها (السفر: 7/6ب) في الباب التاسع والستين في معرفة أسرار الصلاة: «وإن الله قد أشار إلى نعيم مشاهدته ومصاحبته من غير تخصيص ولا تقييد؛ فقال: «بكل شيء محيط»، وقال: «وهو معكم أينما كنتم»، فاعلم ذلك»، وصوابه: «تعميم مشاهدته» بدليل قوله: «من غير تخصيص»، كما في بايزيد.
4- وفي (السفر: 7/ 11أ) في نفس الباب: «اختلف علماؤنا هل تقام جمعتان في مصرٍ واحدٍ أم لا تقام؟ فمن قائل بجواز ذلك ومن قائل بأن لا يجوز ... وكذلك اشترط بعضهم المصر ولم يشترطه بعضهم ... وكذلك اشترط بعضهم أن يكون المسجد ذا سقف ولم يره بعضهم ...»، والصواب هو: «المسجد» كما في بايزيد، بدلًا من «المصر» بدليل قوله: «وكذلك اشترط بعضهم أن يكون المسجد».
5- وفي (السفر: 7/95أ) في الباب نفسه: «الكسوف آية ... يخوف الله به عباده، فإذا وقع فالسُّنَّةُ أن يفزع الناس إلى الصلاة كسائر الآيات المخلوقات مثل الزلازل ...»، وصوابه: «المَخُوفَات»، كما في بايزيد.
6- وفي (السفر: 10/39ب) في الباب الثاني والسبعون في الحج وأسراره، في الكلام عن شهر صفر: «الصِّفْرُ وهو الخالي ... وبه سُمِّيَ صَفَرُ من الشهور في أول وضع هذا الاسم؛ لخلو الأرض فيه عن النبات... ولهذا جاز مع بعده لوجود الربيع ...» وصوابه: «ولهذا جاء ربيع بعده»، كما في بايزيد.
7- وفي (السفر: 10/109ب) في نفس الباب: «فهذا سر الإمام في الصلاة والقصر لما يعطيه مكان عرفة من المعرفة بالله في الصلاة بهذا المكان»، وصوابه: «الإتمام»، كما في بايزيد.
8- وفي (السفر: 10/147ب) في الباب نفسه: «كما أنها أيضًا نهاية انتهاء وزن الفعل الذي هو مركب من مائة وثمانين درجة»، وصوابه: «نهاية أسماء وزن الفعل»، كما في بايزيد.
بين الإصدارتين:
إن الناظر في نسخة «بايزيد» التي تمثِّل الإبرازة الأولى من الفتوحات، وبين نسخة «قونية» التي تمثِّل الإبرازة الأخيرة يدرك جليًّا أن ثَمَّ اختلافًا واضحًا بين النسختين في تأدية النصِّ وفي بعض الأمور الأخرى التي سنأتي على ذكرها هنا مع بعض النماذج لها.
لكن هل هذا الاختلاف يعني التَّباينَ بين الإبرازتين؛ بحيث نستطيع أن نقول: إن ابنَ العربيِّ أخرج الفتوحات في الإصدارة الثانية عن مضمونها في الإصدارة الأولى؟
نستطيع -بحسب استقرائنا النسختين- أن نقول: إن الاختلاف بين النسختين هو في مجمله اختلاف في الطريقة التي يتأدى بها المعنى الواحد في بعض المواضع، وليس هو باختلاف في المضمون، ولا من قبيل تغيير الأفكار والآراء؛ فإن المضمون هو هو، والأفكار هي هي، لكنَّ طريقة التعبير عنها مختلفة في كلتا النسختين، بل إن مواطن الاتفاق والاجتماع والتقارب بين النسختين في العبارات والصياغات اللفظية أكثر بكثير من مواطن الاختلاف والافتراق، هذا بحسب الغالب والإجمال، وإلَّا فقد اختلاف وقع بين النسختين لا يندرج تحت ذلك؛ بحيث نجد آراء وأفكارًا لا نجدها في بايزيد، لكن هذا ليس غالبًا.
ولعلَّ أبرز ما يطالعنا من سمات الاختلاف بين النسختين هو ما تميزت به «بايزيد» من جودة السبك، وجزالة اللفظ مع إيجاز العبارة، وما تميَّزت به «قونية» من اختيار العبارات القريبة إلى الذهن، والألفاظ اللطيفة على أذن السامع، مع بسط العبارة وتفصيل المعنى.
وتتجلى الفروق بين النسختين في:
الإضافات التي في «قونية» وخلت عنها «بايزيد».
وتختلف هذه الإضافات بين زياداتٍ طفيفةٍ لا تتجاوز بضعَ كلماتٍ، وقد تزيد إلى عدِّة أسطر، أو زيادات كبيرة تشتمل وصلًا أو فصلًا أو أكثر من ذلك.
ومن أبرز أمثلة النوع الثالث: عقيدة الناشئة الشادية (وصل الناشيء والشادي)، وعقيدة الخواصِّ (وصل في اعتقاد أهل الاختصاص من أهل الله بين نظر وكشف)، فلم تُذكر أيٌّ من العقيدتين اللَّتين استغرقتا في قونية من: (السفر: 1، اللوحة: 64أ) إلى: (السفر: 1، اللوحة: 84ب) في نسخة بايزيد رغم اتصال الكلام وصحة المعنى فيها (انظر: بايزيد: المجلد رقم: 3743، اللوحة: 21ب).
ومن أبرز أمثلة النوعين الأوَّل والثاني ما وقع في الأبواب الفقهية ، كالباب الثامن والستين في أسرار الطهارة، والباب التاسع والستين في أسرار الصلاة، والباب السبعين في أسرار الزكاة، والباب الحادي والسبعين في أسرار الصوم، والباب الثاني والسبعين في أسرار الحج، وكذلك النص على اختيارات الشيخ الأكبر الفقهية، مع تعليل الاختيار.
عبارات الشرح والتتميم.
ومن هذه الفروق التي انفردت بها قونية أيضًا عن بايزيد العبارات والجمل الاعتراضية التفسيرية، والفقرات التي قصد بها الشيخُ تتميمَ فكرةٍ غير مكتملة الصورة والمعنى في بايزيد، وكذلك بسطُ المجملِ، أو إيضاح المُشكلِ.
لا تزال مهتمًا بالكتب التي شاهدتها مؤخرًا