الإمام المجدد ولي الله الدهلوي

الإمام المجدد ولي الله الدهلوي

  • 22 August, 2024
  • الشيخ أيمن حمدي الأكبري

شيخ الإسلام ولي الله «أحمد بن عبد الرحيم بن وجيه الدين بن معظم بن منصور الحنفي عملًا»، الشافعي تدريسًا، الأشعري معتقدًا، الصوفي على الطريقة النقشبندية، ولد في عام «1114هـ - 1176هـ = 1703م - 1762م» وهو إمام المحدثين بالهند.

          أخذ العلوم عن والده الشيخ «عبد الرحيم»، وقرأ عليه الرسائل المختصرة بالفارسية والعربية، وقرأ عليه طرفاً من مشكاة المصابيح، وصحيح البخاري، والشمائل المحمدية للترمذي، وتفسير النسفي، وتفسير البيضاوي، والهداية، وشرح الوقاية والتوضيح والتلويح، وشرحي التلخيص المختصر والمطول للعلامة سعد الدين التفتازاني، وغير ذلك من كتب التصوف والمنطق وعلم الكلام وعلم الهيئة وعلم الحساب.

كان يختلف في أثناء الدرس إلى إمام الحديث في زمانه الشيخ «محمد أفضل السيالكوتي» فانتفع به في الحديث، واشتغل بالدرس بعد أبيه نحواً من اثنتي عشرة سنة.

وقد أثنى عليه أكابر، ومنهم شيخه « أبو طاهر محمد بن إبراهيم المدني »، قال: إنه يسند عني اللفظ وكنت أصحح منه المعنى.

كان العصر الذي عاش فيه الشاه ولي الله عصر تخلف للمسلمين في الهند، حتى المناهج الدراسية كان يغلب عليها طابع العلوم العقلية والعلوم الآلية، فأحيى الله سبحانه وتعالى به علوم الكتاب والسنة، فترجم القرآن إلى اللغة الفارسية الدارجة حينذاك، ولما رجع من سفر الحج عاد ومعه علوم السنة النبوية، ومن هنا وقف نفسه بعد ذلك لنشرها، وهو عمل لا يدرك فضله إلا من يعرف الظروف التي كان يعيش فيها العلماء وطلاب العلم في ذلك الوقت.

ومن أهم ما قام به الشيخ محاربة الجمود والتقليد في جميع المجالات الفكرية، وخاصة في مجال الفقه؛ فقد قدم ضوابط الاجتهاد مفصلة من خلال كتابيه: «عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد»، و«الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف بين الفقهاء والمحدثين»، ومن خلال كتبه في شرح كتب الحديث وغيرها.

 

وللشيخ المجدد ولي الله الدهلوي قدم راسخ في علم الحقائق وأسرار الشرع المنزل، كما قال الشيخ الأكبر «محيي الدين ابن العربي»:

شخوص لهم سر الشريعة غيبي   * * *     ولما رأيت البيت طافت بذاته

وهو كحل عين الكشف ما هم به عمي * * * وطاف به قوم هم الشرع والحجا

فمن هؤلاء الرجال الشيخ الإمام شاة ولي الله الدهلوي، الذي حصل هذه العلوم في زيارته لمكة المكرمة ومكوثه بها مدة عامين، تلقى فيهما من علوم الظاهر والباطن ما فاض به قلمه ونطق به لسانه ورقمه بنانه.

وممن شهد له بسعة العلم الشيخ الراسخ أبو طاهر محمد بن إبراهيم المكي الكردي الكوراني قدس الله روحه، وقد كتب له إجازة طارت في الآفاق، وشهد ببلاغتها أولو الأذواق، والكوراني ممن اجتمعت له سائر العلوم، وحصل أكثر الطرق في زمانه، فقد صحب الكوراني رضي الله عنه أكابر أهل زمانه الشيخ «حسن بن علي العجيمي المكي الحنفي» والشيخ «عبد الله بن سالم الشافعي البصري»؛ وهما مما اجتمعت لهم أسانيد السادة الصوفية، وكلاهما قد ألف في الطرق التي وصلت إليهم، وهو ما أثبته أيضاً الولي الكامل محمد بن علي السنوسي رضي الله عنه.

الإمام ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي هوعالم دين هندي مجدد، ويعرف بمسند الهند، وكان أبوه «الشيخ عبد الرحيم» من كبار مشايخ دهلي ومن أعيانهم، له حظ وافر من العلوم الظاهرة والباطنة مع علو كعبه في طريقة الصوفية.

و«لولي الله» مقاربات كثيرة مع «الشيخ الأكبر»، بل إنه أحد رجال السلسلة الأكبرية في شبه القارة الهندية.

إن المشرب الأكبري تجده فياض في علوم الشاه ولي الله الدهلوي، وطريقة الشيخ الأكبر تلقاها عن الشيخ «أبي طاهر المكي» عن أبيه «إبراهيم»، عن الشيخ «صفي الدين أحمد بن محمد القاشاشي»، وسنده إلى الشيخ الأكبر مذكور في سلسلة أكبرية ذهبية مذكورة في «السمط المجيد» ، فسند الطريقة منه لسيدي محيي الدين:

« عن الشيخ أبي طاهر محمد بن إبراهيم الكردي، عن الشيخ صفي الدين أحمد بن محمد القشاشي، عن الشيخ أحمد بن علي بن عبد القدوس الشناوي، عن الشيخ علي بن عبد القدوس الشناوي، عن أبيه الشيخ محمد بن عبد القدوس القرشي الشناوي، عن الشيخ عبد الوهاب الشعراني، عن الشيخ الحافظ جلال الدين السيوطي، عن الشيخ كمال الدين محمدعُرف ابن إمام الكاملية، عن الشيخ شمس الدين محمد بن محمد الجزري، عن الشيخ عمر بن الحسن بن ميلة المراغي، عن الشيخ عز أحمد بن محمد الفاروقي، عن الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي – قدس الله تعالى أسرارهم، ورزقنا المزيد من فيوض وبركات سلاسلهم وأسانيدهم-».

توفي الشاه شيخ الإسلام حجة الله على العالمين، ولي الله «أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي» في 29 من محرم سنة 1176هـ في دهلي، ودفن في مقبرة آباءه خارج (باب دهلي)، وله اثنتان وستون سنة.

شارك: